يارب ان قومى اتخذوا هذا القران مهجورا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنقل لكم ما ذكره الإمام ابن كثير - رحمه الله - حيث يقول :

( يقوا تعالى مخبراً عن نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ( يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً )
وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون إلى القرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى: ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه )
فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعونه, فهذا من هجرانه,
وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه, وترك تدبره وتفهمه
من هجرانه, وترك العمل به وامتثال أوامره من هجرانه واجتناب
زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو
غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه,
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء, أن يخلصنا مما
يسخطه؛ ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وغهمه والقيام
بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب ) ( تفسير القرآن العظيم – 3 / 306 ) 0


وقال الطبري الطبري -رحمه الله – في تفسيره بخصوص تفسير الآية الكريمة ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) ( سورة الفرقان – الآية 30 ) 0

يقول تعالى ذكره ( الآيه ) : وقال الرسول يوم يعض الظالم على يديه : يارب إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك اتخذوا هذا القرآن مهجوراً 0

واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مهجوراً, فقال بعضهم: كان اتخاذهم ذلك هجراً, قولهم فيه السيئ من القول, وزعمهم أنه سحر وأنه شعر 0

ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, ثنا ورقاء جميعاً, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) قال: يهجرون فيه بالقول, يقولون: هو سحر 0

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: ( وقال الرسول)... الآية, يهجرون فيه بالقول, قال مجاهد: وقوله: (مستكبرين به سامراً تهجرون) – المؤمنون:67- قال: مستكبرين بالبلد سامراً مجالس تهجرون, قال: بالقول السيئ في القرآن غير الحق 0

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا هشيم, عن مغبرة, عن ابراهيم, في قول الله: (إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) قال: قالوا فيه غير الحق, ألم ترى إلى المريض إذا هذا قال غير الحق 0

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الخير عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا له 0

ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال لبن زيد, في قول الله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلى الله قالةا لا, وقرأ (وهم ينهون عنه وينأون عنه) – الأنعام:26- قال: ينهون عنه, ويبعدون عنه 0

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرأن والغوا فيه, وذلك هجرهم إياه ) ( جامع البيان في تفسير القرآن – 9 / 385 ، 386 ) 0

قال الدكتور محمد الأشقر في كتابه " زبدة التفسير من فتح القدير " : (اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) متروكاً لم يأمنوا به, ولا قبلوه بوجه من الوجوه.
وقيل المعنى : أنهم اتخذوه هجراً وهذياناً ) ( زبدة التفسير – ص 474 ) 0


هذا هو المعنى الذي أشار إليه علماء الأمة بخصوص هجر القرآن ، سائلاً المولى عز وجل أن يجعلنا ممن يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ، وأن يحعله
قائدنا إلى الجنة
::

قال ابن القيم في ( الفوائد )
هجر القرآن الكريم أنواع ؛ -
أحدهما ؛ هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .
الثاني؛ هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وإن قرأه وآمن به .
الثالث ؛ هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .
الرابع ؛ هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
الخامس ؛ هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به . وكل هذا داخل في قوله تعالى وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ‎ وإن كان بعض الهجر أهون من بعض .