بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , واله الأولين و الأخرين , و صلاة الله و سلامه و رحماته و بركاته علي صفوة خلقه , و خاتم أنبيائه و رسله , سيدنا محمد و آله الطاهرين , و صحابته أجمعين , و رحمة الله و مغفرته للتابعين , و تابعيهم باحسان الي يوم الدين .
أحبائي في الله :
ان المسلم الحق يؤمن بأن سعادته في حياتيه الأولي و الثانية , موقوفة علي مدي
( تأديب نفسه , تطبيبها , تزكيتها , تطهيرها )
يقول الله سبحانه و تعالي :
﴿ قد أفلح من زكاها , و قد خاب من دساها ﴾ الشمس 9,10
و قوله تعالي :
﴿ ان الذين كذبوا بأياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط , و كذلك نجزي الظالمين . و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا نكلف نفسا الا وسعها أولئك أصحاب الجنة , هم فيها خالدون ﴾ الأعراف 42:40
و قوله تعالي :
﴿ و العصر . ان الانسان لفي خسر . الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ﴾ العصر
يقول الرسول صلي الله عليه و سلم :
ان حسنة الايمان , و العمل الصالح , هو ما تطهر عليه النفس و تزكوا
يقول الله سبحانه و تعالي :
﴿ و أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل , ان الحسنات يذهبن السيئات ﴾ هود 114
و قال تعالي :
﴿ بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ المطففين 14
ويقول رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" ان المؤمن اذا أذنب ذنبا كان نقطة سوداء في قلبه , فان تاب و نزع و استعتب صقل قلبه , و ان زاد زادت حتي تغلق قلبه "
رواه النسائي و الترمذي
ذلك الران الذي قال الله فيه
﴿ كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾
اذن النفس هي أولي ما يؤدب
المسلم الحق يجاهدها ليل نهار , يحاسبها في كل ساعة , يحملها علي فعل الخيرات , يدفعها الي الطاعة و يصرفها من الشر .
و يتبع في اصلاحها و تأديبها لتطهر و تزكو ( ما يلي )
( 1 ) التوبة
المراد
التخلي عن سائر الذنوب و المعاصي , و الندم علي كل ذنب سالف , و العزم علي عدم العودة الي الذنب .
و ذلك لقوله تعالي :
﴿ يا أيها الذين آمنوا توبوا الي الله توبة نصوحا عسي ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ التحريم 8
و قوله تعالي :
﴿ و توبوا الي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾ النور 31
و قول رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" ان الله عز و جل يبسط يده بالتوبه لمسئ الليل الي النهار , و لمسئ النهار الي الليل , حتي تطلع الشمس من مغربها "
رواه مسلم
( 2 ) المراقبة
المراد
الزام النفس بمراقبة الله سبحانه و تعالي , حتي يتم له القين بأن الله مطلع عليها , عالم بأسرارها , رقيب علي أعمالها , ذلك ستصبح مستغرقة بملاحظة جلال الله و كماله
يقول الله سبحانه و تعالي :
﴿ و ما تكون في شأن و ما تتلوا منه من قرآن و لا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه ﴾ يونس 61
و قول رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" أعبد الله كأنك تراه , فان لم تكن تراه فانه براك "
متفق عليه
عليك بالمراقبة ممن لا تخفي عليه خافية
و عليك بارجاء ممن يملك الوفاء
و عليك بالحذر ممن يملك العقوبة
قالها سفيان الثوري
و قال الشاعر :
اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ......... خلوت , و لكن قل علي رقيب
و لا تحسبن الله يغفل ساعة ......... و لا أن ما تخفي عليه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ......... و ان غدا للناظرين قريب
( 3 ) المحاسبة
المراد
أن يخلو بنفسة ساعة من آخر كل يوم يحاسب نفسه فيها علي عمل يومه
قال الله سبحانه و تعالي :
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد , و اتقوا الله , ان الله خبير بما تعملون ﴾ الحشر 18
و قال صلي الله عليه و سلم :
" اني لأتوب الي الله , و أستغفره في اليوم مائة مره "
و قال سيدنا عمر رضي الله عنه :
--- حاسبوا أنفسكم قبل أن توزنوا ---
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ و أما من خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوي , فان الجنة هي المأوي ﴾ النازعات 41,40
( 4 ) المجاهدة
المراد
أن يعلم المسلم أن أعدي أعدائه اليه هي نفسه التي بين جنبيه , فراره من الخير , أمارة بالسوء .
يقو الله تعالي :
﴿ و ما أبرئ نفسي , ان النفس لأمارة بالسوء ﴾ العنكبوت 69
فعلي المسلم اذا رأي نفسه أحبت الراحة .. أتعبها .. , اذا رغبت في الشهوة .. حرمها .. , اذا قصرت في طاعة .. عاقبها .. ,
ان رسول الله صلي الله عليه و سلم أقام الليل حتي تفطرت قدماه الشريفتان , و سئل في ذلك فقال :
" أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا "
و كان عبد الله بن عمر اذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة بكاملها , و أخر يوما صلاة المغرب حتي طلع كوكبان فأعتق رقبتين
و كان علي رضي الله عنه يقول :
--- رحم الله أقواما يحسبهم الناس مرضي , و ما هم بمرضي , و ذلك من أثار مجاهدة النفس ---
اليك قطع العابدون دجي الليالي يستبقون الي رحمتك , و فضل مغفرتك
فبك يا الهي أسألك لا بغيرك أن تجعلني في أول زمرة السابقين
و أن ترفعني لديك في عليين , في درجة المقربين
و أن تلحقني بعبادك الصالحين
فأنت أرحم الراحمين , و أعظم العظماء , و أكرم الكرماء
يا كريم ...